هناك مسؤولية كبيرة تقع على الأجيال الشّابة وعلى دورها المنشود في صناعة المستقبل. فأيُّ جيلٍ عربي جديد هو الذي نأمل منه الآن إحداث التغيير نحو الأفضل في الأوطان العربية؟
المفاهيم المتداولة الآن في المجتمعات العربيّة هي التي تصنع فكر هذا الجيل الجديد، وهي التي ترشد حركته. لذلك نرى معظم الشّباب العربي يتمزّق بين تطرّف في السّلبيّة واللامبالاة، وتطرّف في أطر فئويّة بأسماء طائفيّة أو مذهبيّة، بعضها استباح العنف بأقصى معانيه وأشكاله.
وحينما يبحث بعض الشّباب العربي المعاصر عن أطر فاعلة للحركة، يجد في معظم الأحيان أمامه جماعات تزيد في أفكارها وممارساتها من حال الانقسام بالمجتمع، أو قد يدفع بعضها بالعناصر الشّابة إلى عنفٍ مسلّح ضدّ "الآخر" غير المنتمي لهذه الجماعة أو معتقدها!
فالمفاهيم، التي تحرّك الآن الجيل العربي الجديد، هي مفاهيم تضع الّلوم على "الآخر" في كلّ أسباب المشاكل والسلبيّات، ولا تحمل أي "أجندة عمل" سوى مواجهة "الآخر" الذي قد يكون في الحكم أو في المعارضة أو في المجتمع نفسه. وهي مفاهيم تهدم ولا تبني، تفرّق ولا توحّد، وتجعل القريب غريباً والصّديق عدوّاً!.. فيصبح الهمّ الأوّل للجيل العربي الجديد هو كيفيّة التمايز عن "الآخر" وهدمه، لا الحوار والتكامل معه لبناء مجتمع يقوم على التعدّدية والتنوّع.
المشكلة أيضاً في الواقع العربي الرّاهن هي أنّ معظم "الجيل القديم" يحمل أفكاراً مليئة بالشوائب والحالات الذهنيّة المرَضيّة الموروثة، التي كانت في السابق مسؤولة عن تدهور أوضاع المجتمعات العربيّة وتراكم التخلّف السياسي والاجتماعي والثقافي في مؤسّساتها المختلفة. وهذا "الجيل القديم" هو بمثابة خزّان المعرفة والخبرة الذي يستقي منه "الجيل الجديد" ما يحتاجه من فكر يؤطّر حركته ويرشد عمله. فأصبح "الجيل القديم" مسؤولاً عمّا هو سائدٌ من "فكر"، بينما تولّى "الجيل الجديد" قيادة وسائل "العمل والحركة" لتنفيذ هذا "الفكر"!.
هنا يظهر التلازم الحتمي بين الفكر والحركة في أي عمليّة تغيير، كما تتّضح أيضاً المسؤوليّة المشتركة للأجيال المختلفة. فلا "الجيل القديم" معفيّ من مسؤوليّة المستقبل ولا "الجيل الجديد" براء من مسؤوليّة الحاضر. كلاهما يتحمّلان معاً مسؤوليّة مشتركة عن الحاضر والمستقبل معاً. فبمقدار الضخّ الصحيح للأفكار السليمة، تكون الحركة صحيحة وسليمة من قبل الجيل الجديد نحو مستقبلٍ أفضل.
أيضاً، تكمن مشكلة الشّباب العربي المعاصر في أنّه لم يعش حقباتٍ زمنيّة عاشها من سبقه من أجيال أخرى معاصرة، كانت الأمّة العربيّة فيها موحّدةً في مشاعرها وأهدافها وحركتها، رغم انقسامها السياسي على مستوى الحكومات. مراحل زمنيّة كان الفرز فيها بالمجتمع يقوم سلمياً على اتجاهات فكريّة وسياسيّة، لا على أسس طائفيّة أو مذهبيّة أو إقليميّة. لكن سوء العديد من الممارسات والتجارب الماضية، إضافةً إلى العطب الدّاخلي والتآمر الخارجي، أدّى كلّه للإساءة إلى المفاهيم نفسها، فاسْتُبدِل الانتماء القومي والوطني بالهويّات الطّائفيّة والمذهبيّة والمناطقيّة، وأضحى العرب في كلّ وادٍ تقسيميٍّ يهيمون، ويقولون ما لا يفعلون!.