الآية المشار اليها، يستخدمها أصحاب الإسلام السياسي ، للاستدلال على أن الإسلام أمرنا بكيان سياسي واحد، وحاكم واحد، فيصورون إنهم أقرب الناس إلى الاستجابة لأمر الله، فهم يسعون لإقامة دولة واحدة تضم الأمة الواحدة في مشارق الأرض ومغاربها، ولذلك ينخدع البعض بهذه الفكرة، فإن لم يكونوا منهم فهم مؤيدون للفكرة على اعتبار انها فكرة قرآنية، فهل حقا أراد الإسلام أن يكون للمسلمين أينما كانوا دولة واحدة بذريعة إنهم أمة واحدة؟!
لم يشر القرآن من قريب أو بعيد للدولة أو نظام الحكم، مع أن الدولة حاجة بشرية لا بد منها، فلا تجد تجمعا بشريا، قديما أو حديثا، صغيرا كان ام كبيرا، إلا وتحقق فيه جوهر الدولة، فالدولة هي الكيان التنفيذي الذي يحكم الناس/الجماعة وفق أحكام وقوانين معينة، ويفصل النزاعات والخصومات بينهم ، وقد تحقق ذلك في القبيلة الصغيرة قديما وفي أعظم الدول في العصر الحديث، فلا يوجد مجتمع قط إلا وفيه دولة بسبب الحاجة الإنسانية للدولة، فكيف يكون الأمر بهذه الأهمية ولا يشير إليه القرآن الذي علمنا التيمم في غياب الماء بل علمنا كيفية التيمم أيضا؟
اذن لماذا لم يشر القرآن إلى الدولة ونظام الحكم؟
لو أشار القرآن إلى الدولة وطبيعة نظام الحكم لكان في ذلك حرج، ورفع الحرج ثابت في كتاب الله؛ لأن شكل الدولة ونظام الحكم ليس من ثوابت الاسلام، فلا يجوز أن يفرض القرآن علينا أمرا ويعتبره ثابتا مع ان طبيعته تؤكد أنه متغير!!
وبالعودة إلى أية المنشور "إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ "، فهل في الآية اي إشارة للدولة ونظام الحكم، وأن المسلمين يجب أن يخضعوا لحاكم أو حكومة أو دولة واحدة؟ قبل الإجابة لا بد أن نستعرض استعمال القرآن لمفردة " امة"، فالأمة لفظ مشترك له معان متعددة، يتحدد المراد منها بحسب السياق الذي ترد فيه، وقد استعمل القرآن مفردة أمة بأكثر من معنى، فجاءت بمعنى الفترة الزمنية كما في قوله تعالى:" وقال الذي نجا منهما وادكر بعد امة،" وجاءت بمعنى الجماعة كما في قوله تعالى:" ولقد بعثنا في كل أمة رسولا"، وجاءت بمعنى الإمام الذي يقتدي به ويطاع كما في قوله تعالى:" أن ابراهيم كان امة"، وجاءت بمعنى الملة أو الدين؛ كما في قوله تعالى:" انا وجدنا آباءنا على امة"، ولو تأملنا مرة ثانية أية المنشور "إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ " لوجدنا أن معناها الاقرب بحسب استعمالات القرآن هو " الملة أو الدين"اي أن الآية وصف لأمة محمد عليه الصلاة والسلام بأن ملتها ودينها واحد، وليس في ذلك إشارة للدولة ونظام الحكم الواحد الذي يجمع المسلمين.
يترتب على ذلك أن الأمة الإسلامية يمكن أن تكون في دولة واحدة بالاختيار، ويمكن أن تكون أكثر من دولة لأسباب كثيرة منها اثنية أو جغرافية.
خلاصة المنشور: بدل إشغال الأمة بجهد لا طائل من وراءه لتنصيب حاكم واحد للامة كلها، يجب أن يسعى اهل كل بلد إلى اختيار حاكم لهم بكل حرية وبأكبر مشاركة شعبية، والسعي لتطوير كل نواحي الحياة وأهمها التعليم؛ إذ ليس تاريخ المسلمين حجة شرعية مع ان وجود دولة واحدة كان من أهم عوامل الضعف الاسلامي، فقد كان مساحة الدولة الكبيرة وتنوع قومياتها سببا في القلاقل والحروب الداخلية، إضافة إلى أن الآية ليست دليلا على ما ذهبوا إليه.