في ظل هذه الحكومة "السّافلة" فقد وطننا قدسيته وشعبنا كرامته، وأصبح التكتل الحاكم يطلب من المستعمر الذي سبّب لشعبنا هذه المحنة أن ينقذهم من مأزقهم من أجل أن يظلّوا الحاكمين بالوكالة عنه. وتحولت مؤسّسات الدولة إلى أدوات لتحقيق مصالحهم الحزبية والشخصية. وهذه الوضعية "المحنة" تدعونا إلى التدبّر وليس إلى الهروب واليأس. فليس غريبا أنّ الأغلبية من "النّخبة" و"العامة" يدركون جيدا الفرق بين الثورة السياسية والخيانة الوطنية. لكن أغلبهم غير آبهين بما آل إليه حال البلاد.
لا توجد أية قوة تجبر الإنسان على الخيانة إلا إذا كانت له استعدادات شخصية، وتمّت تنشئته على الاندماج فيها. فدائما هناك علاقة بين التنشئة السياسية والأفعال "الخيانية" واللاوطنية. والمواقف السياسية تشحن بعديد المصادر الذاتية والموضوعية؛ وهي في كل الأحوال تخرج عن إرادة الإنسان وقناعاته. وعدما نفكر في هذه المنظومة السياسية الاستبدادية و"المغفّلة" التي تعمل على العودة إلى فترة الحماية وتحنّ إلى بيع بضائعها الفاسدة في تخريب الاقتصاد وتهديم الوطن وتفقير المجتمع وتحت راية "الشرعية" والتوافق الانتهازي الغادر والمغدور به، ندرك، بلا شك، أن ذلك كله أحد إفرازات فعل الاستعمار في تربيتهم ومن نتائجه ولائهم له. فتحولوا أحزابا أو أشخاصا منقطعين عن أصولهم وهويتهم ومجتثّين من وطنهم. لذلك، لا يمكن أن ينتج عن هذا الخليط الأيديولوجي بين "الأضداد" إلا حكومة "لقيطة"غير شرعية لا تؤمن بقداسة الأوطان وكرامة الشّعوب. وستظلّ تعمل على تطريز المشهد المجتمعي وهندسته سياسيا وثقافيا وتربويا واقتصاديا بحسب أوامر أسيادها وألحانهم. وهذه الألحان تكون دائما على إيقاع أمواج الخيانة واتجاهاتها شرقًا وغرباً.
هذا الأسلوب الذي يرتكز على "الدّينامية المُطْواعة" في الخيانة يعكس لنا الشّكل الداخلي للفكر والإحساس الجماعي للأحزاب الحاكمة والمتواطئة معها. وتحليل هذا الأسلوب بشكل موسع يعبّر عن مرحلة خطيرة وترجمة لحالة هذه القوى وذهنيتها المميزة ونزعتها الغنائميّة والثقافة "الماعُونية" الجديدة في الخيانة الوطنية .
هذا الحلف الحاكم في تونس "اللاّوطني" الذي نشأ في أحضان الاستعمار، قديما وحديثا، ويعمل على خدمة مصالحه يعتمد منطق التسلط من أجل قمع وإبعاد أية قوة سياسية أو فكرية منائة له أو معارضة لأسلوبه ولتوجهاته. وفي ظلّ حالة الخواء الاجتماعي والتشتت السياسي للقوى المعارضة، نجح هذا التحالف الحاكم في تحقيق أهدافه ، وأهمّها: استبعاد وتهميش هذه القوى المعارضة، واعتماد استراتيجية لإدارة الحركات الاحتجاجية وتنويمها.
هذه الخصوصية "الخيانية" التي نعيشها اليوم في تونس وفي وطننا العربي عموما، يريدها هؤلاء أن تعمّم وتكون نظام الغد طالما أنه لم تواجههم القوى الوطنية والمعارضة، وطالما بقيت الحركات الاحتجاجية غالبا سطحية وفي الخنق اليومي المعيشي ولا تتعدى التمرّد "الطفولي" أو في حدود المطلبيّة القطاعية.
إذا أرادت القوى الوطنية أن تحدّ من هذه الانهيارات وأن ترسي البلاد في مرفئ النّجاة والاستقرار، عليها أن تترك جانبا ما تختلف فيه سياسيا أو أيديولوجيا أو شخصيا، وأن تتوجّه بكليتها ، ومن خلال توحيد مختلف مكوّناتها الاجتماعية والسياسية إلى تحقيق ما يجمعها. على هذه القوى أن تصحو من هذه الغيبوبة "الأيديولوجية" والأنانية "الشخصية" وسكرات الوهم "السّياسي". يجب أن تعي أنّ مسؤوليتها تضاعفت وأنّ حماية الوطن مسألة مصيرية، إنّها المسؤولة عن الانتصار أو الخسارة في هذه الحرب المصيرية و"المقدّسة". فهل يوجد عندكم ما هو "مقدّس" أكثر من الوطن ؟!